Read Anywhere and on Any Device!

Subscribe to Read | $0.00

Join today and start reading your favorite books for Free!

Read Anywhere and on Any Device!

  • Download on iOS
  • Download on Android
  • Download on iOS

المنسيون بين ماءين

المنسيون بين ماءين

ليلى المطوع
0/5 ( ratings)
"إنّي من قبيلة الأشراف من لم تجزّ نواصيهم، ولم تُسبَ نساؤهم. إنّنا للموت نشرع صدورنا. لا ننحني لملك ولا نخشى مرتزقًا". قبل أن يقف أمام المرتزق المنتصب شاهرًا ضخامة جسده، ماسكًا لجام الحصان، ينظر إلى طرفة يستعرض قبل النزال، جرى الصبيان يتسابقون ليمسك أحدهم لجام حصانه، فينال هذا الشرف.
قال له المرتزق بصوتٍ عالٍ وهو يدور، ليصل الصوت إلى من اجتمع ليشهد النزال: "اختر طريقة موتك، فإنّي قاتلك لا محالة".
أبى طرفة بغروره المعروف، وبتحدٍّ انتصب شاهرًا سيفه، والقبائل مجتمعة لتشهد النزال بينهما. نظر المرتزق خلفه، فرأى سليمة مقبلة، وعرفها من لثامها. صاح به: "إذا رأيت خيال المقلات قادمًا، فاعلم أنّ أجلك حان".
صرّ طرفة على أسنانه غيظًا لمّا رآها تُهلّل، واندفع بسيفه نحو المبعوث.
تشابك الرجلان بالسيوف، والعيون ترتقب. القادم من الشمال رجلٌ عنترة، لا يُهزم، قويّ. بضربتين أسقط سيف طرفة، وأصابه في كتفه إصابة بليغة، فصاح مخفيًا ألمه بكبرياء لا تُهزم حين أدرك الموت وهو على ركبتيه: "افصدني". فشقّه المبعوث. طشّت دماؤه، صرخت الخرنق التي أتت على عجالة راكبة فرسها: "طرفة!". اتّسعت عيناه، سقط على الأرض يلفظ أنفاسه. ساد سكون تامّ. رأته، رأت سليمة الموت فوق رأسه، حركتُها قطعت الصمت من هول الفاجعة. ركضت متّجهة إليه، تماسكت الخرنق وجرت خلفها تمنعها، ولكنّ الحزن عرقلها، فسقطت على التراب ويدها ممتدّة إلى سليمة، لعلّها تمسك طرف جلبابها. كشفت سليمة عن أعلى جسدها، شاقّةً الجلباب، مظهرةً أوشامًا تمتدّ من العنق، وتتّسع باتّساع بطنها المكوّر المخفيّ عن الأعين، قفزت على جسده، وهي تشدّ سلسلة الفضّة قبل أن تقطعها ليحلّ العهد، ويسقط لثامها كاشفًا عن حسن ملامحها. يُغالب النّظر إليها ولا يقوى على الحركة لمنعها، وخصمه ينظّف سيفه من الدماء. في كلّ قفزة تقف ناظرة إليه، تتأكّد من شهقات الموت، والخرنق تتلوّى على الأرض باكيةً تصرخ شاتمة إيّاها، ولكنّ سليمة ظلّت تهلّل فرحًا، وتقفز على الجسد يمينا ويسارًا حتّى اصطبغت قدماها، من وطئها، بدمه الشريف. انبرت تحاول منعها، تشدّها من ذراعيها، فتتعاركان، وتسقطان على التراب. قوّة جبّارة تنتاب سليمة، إنّها غريزة الأمومة، صراعها لأجل جنينها، ليرى النور، فتدفع الخرنق التي تتشبّث بقدمها، واصطبغت يدها بدم شقيقها. ولكنّ سليمة تقفز بإصرار، وشهقات طرفة ترتفع عاليًا. تبكي الخرنق وهي تقذف بجسدها على سليمة لتثبّتها على الأرض، تتعافران، تسمع شهقات طرفة فتنتبه، وتهرع إليه، تسند رأسه يائسة منه، يجمع أنفاسه وفي عينيه انعكاس الموت المقبل. ينظر برعبٍ إلى سليمة القافزة مبتهجةً، يصرخ بآخر نفس تبقّى له: "عاهرة!". وهي ترتفع في الهواء فوقه، تلمس بطنها المكوّر، وتسمع صوت النبض وقد حلّ على جنينها الأمان. سيحيا. مات أشرف رجل، بل أشجع رجل في الجزيرة، وقفزت على جثّته، لطّخت قدميها بدمه، وتباركت بآخر أنفاسه.
رأت الخرنق تفلت رأسه وهي تطلق آهة مرتفعة، وتفرك قدميها غيظًا في التراب، ثمّ تنهض مندفعةً نحوها لتضربها، فهربت، ولكن قبل فرارها قفزت آخر قفزة على الجثّة.
"سيلعنك الله يا سليمة. ولن يرى جنينك النور ما دمت حيّة. أقسم بدم أشرف الرجال" قالت لها الخرنق، وهي تضع يدها على أحشاء طرفة المندلقة خارج جسده، ثمّ ترفع دمه، وتقسم لها: "لن يرى جنينك النور"، والريح تنقل القسم ليصل إلى سليمة المهرولة، المطلقة أهازيج الفرح، تبشّر أهل الجزيرة بأنّ جنينها سيحيا.
Pages
432
Release
January 01, 2024

المنسيون بين ماءين

ليلى المطوع
0/5 ( ratings)
"إنّي من قبيلة الأشراف من لم تجزّ نواصيهم، ولم تُسبَ نساؤهم. إنّنا للموت نشرع صدورنا. لا ننحني لملك ولا نخشى مرتزقًا". قبل أن يقف أمام المرتزق المنتصب شاهرًا ضخامة جسده، ماسكًا لجام الحصان، ينظر إلى طرفة يستعرض قبل النزال، جرى الصبيان يتسابقون ليمسك أحدهم لجام حصانه، فينال هذا الشرف.
قال له المرتزق بصوتٍ عالٍ وهو يدور، ليصل الصوت إلى من اجتمع ليشهد النزال: "اختر طريقة موتك، فإنّي قاتلك لا محالة".
أبى طرفة بغروره المعروف، وبتحدٍّ انتصب شاهرًا سيفه، والقبائل مجتمعة لتشهد النزال بينهما. نظر المرتزق خلفه، فرأى سليمة مقبلة، وعرفها من لثامها. صاح به: "إذا رأيت خيال المقلات قادمًا، فاعلم أنّ أجلك حان".
صرّ طرفة على أسنانه غيظًا لمّا رآها تُهلّل، واندفع بسيفه نحو المبعوث.
تشابك الرجلان بالسيوف، والعيون ترتقب. القادم من الشمال رجلٌ عنترة، لا يُهزم، قويّ. بضربتين أسقط سيف طرفة، وأصابه في كتفه إصابة بليغة، فصاح مخفيًا ألمه بكبرياء لا تُهزم حين أدرك الموت وهو على ركبتيه: "افصدني". فشقّه المبعوث. طشّت دماؤه، صرخت الخرنق التي أتت على عجالة راكبة فرسها: "طرفة!". اتّسعت عيناه، سقط على الأرض يلفظ أنفاسه. ساد سكون تامّ. رأته، رأت سليمة الموت فوق رأسه، حركتُها قطعت الصمت من هول الفاجعة. ركضت متّجهة إليه، تماسكت الخرنق وجرت خلفها تمنعها، ولكنّ الحزن عرقلها، فسقطت على التراب ويدها ممتدّة إلى سليمة، لعلّها تمسك طرف جلبابها. كشفت سليمة عن أعلى جسدها، شاقّةً الجلباب، مظهرةً أوشامًا تمتدّ من العنق، وتتّسع باتّساع بطنها المكوّر المخفيّ عن الأعين، قفزت على جسده، وهي تشدّ سلسلة الفضّة قبل أن تقطعها ليحلّ العهد، ويسقط لثامها كاشفًا عن حسن ملامحها. يُغالب النّظر إليها ولا يقوى على الحركة لمنعها، وخصمه ينظّف سيفه من الدماء. في كلّ قفزة تقف ناظرة إليه، تتأكّد من شهقات الموت، والخرنق تتلوّى على الأرض باكيةً تصرخ شاتمة إيّاها، ولكنّ سليمة ظلّت تهلّل فرحًا، وتقفز على الجسد يمينا ويسارًا حتّى اصطبغت قدماها، من وطئها، بدمه الشريف. انبرت تحاول منعها، تشدّها من ذراعيها، فتتعاركان، وتسقطان على التراب. قوّة جبّارة تنتاب سليمة، إنّها غريزة الأمومة، صراعها لأجل جنينها، ليرى النور، فتدفع الخرنق التي تتشبّث بقدمها، واصطبغت يدها بدم شقيقها. ولكنّ سليمة تقفز بإصرار، وشهقات طرفة ترتفع عاليًا. تبكي الخرنق وهي تقذف بجسدها على سليمة لتثبّتها على الأرض، تتعافران، تسمع شهقات طرفة فتنتبه، وتهرع إليه، تسند رأسه يائسة منه، يجمع أنفاسه وفي عينيه انعكاس الموت المقبل. ينظر برعبٍ إلى سليمة القافزة مبتهجةً، يصرخ بآخر نفس تبقّى له: "عاهرة!". وهي ترتفع في الهواء فوقه، تلمس بطنها المكوّر، وتسمع صوت النبض وقد حلّ على جنينها الأمان. سيحيا. مات أشرف رجل، بل أشجع رجل في الجزيرة، وقفزت على جثّته، لطّخت قدميها بدمه، وتباركت بآخر أنفاسه.
رأت الخرنق تفلت رأسه وهي تطلق آهة مرتفعة، وتفرك قدميها غيظًا في التراب، ثمّ تنهض مندفعةً نحوها لتضربها، فهربت، ولكن قبل فرارها قفزت آخر قفزة على الجثّة.
"سيلعنك الله يا سليمة. ولن يرى جنينك النور ما دمت حيّة. أقسم بدم أشرف الرجال" قالت لها الخرنق، وهي تضع يدها على أحشاء طرفة المندلقة خارج جسده، ثمّ ترفع دمه، وتقسم لها: "لن يرى جنينك النور"، والريح تنقل القسم ليصل إلى سليمة المهرولة، المطلقة أهازيج الفرح، تبشّر أهل الجزيرة بأنّ جنينها سيحيا.
Pages
432
Release
January 01, 2024

More books from ليلى المطوع

Rate this book!

Write a review?

loader